الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ}، لَا يَعْتَدِلُ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، الْمُؤْثِرُونَ الدَّعَةَ وَالْخَفْضَ وَالْقُعُودَ فِي مَنَازِلِهِمْ عَلَى مُقَاسَاةِ حُزُونَةِ الْأَسْفَارِ وَالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ، وَمَشَقَّةِ مُلَاقَاةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ بِجِهَادِهِمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَقِتَالِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، إِلَّا أَهْلَ الْعُذْرِ مِنْهُمْ بِذَهَابِ أَبْصَارِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِلَلِ الَّتِي لَا سَبِيلَ لِأَهْلِهَا-لِلضَّرَرِ الَّذِي بِهِمْ- إِلَى قِتَالِهِمْ وَجِهَادِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، وَمِنْهَاجِ دِينِهِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، الْمُسْتَفْرِغُونَ طَاقَتَهُمْ فِي قِتَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَاءِ دِينِهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ، إِنْفَاقًا لَهَا فِيمَا أَوْهَنَ كَيْدَ أَعْدَاءِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ- وَبِأَنْفُسِهِمْ، مُبَاشَرَةً بِهَا قِتَالَهُمْ، بِمَا تَكُونُ بِهِ كَلِمَةُ اللَّهِ الْعَالِيَةَ، وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَّرُوا السَّافِلَةَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: " {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ". فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّأْمِ (غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ)، نَصْبًا، بِمَعْنَى: إِلَّا أُولِي الضَّرَرِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) بِرَفْعِ"غَيْرِ"، عَلَى مَذْهَبِ النَّعْتِ"لِلْقَاعِدِينَ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: (غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ) بِنَصْبِ"غَيْر"، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ مُتَظَاهِرَةٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ"، نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ"، اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ: "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ". ذِكْرُ بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، «عَنِ الْبَرَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ائْتُونِي بِالْكَتِفِ واللَّوْحِ، فَكَتَبَ "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ"، وَعَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: هَلْ لِي مِنْ رُخْصَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فنَزَلَتْ: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ".» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ وَأَنَا أَعْمَى؟ فَمَا بَرِحَ حَتَّى نَزَلَتْ: " {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ". « حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} "، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ، جَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي ضَرِيرُ الْبَصَرِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، أَوِ: اللَّوْحِ وَالدَّوَاة». حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْرَائِيلَ الدَّلَّالُ الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، «عَنِ الْبَرَاءِ: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} "، كَلَّمَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَأُنْزِلَتْ: " {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ".» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، «أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "، قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا. قَالَ: فَشَكَا إِلَيْهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ".» قَالَ شُعْبَةُ، وَأَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ"، مِثْلَ حَدِيثِ الْبَرَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، «عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "، جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي رُخْصَةٌ؟ قَالَ: لَا! قَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي ضَرِيرٌ فَرَخِّصْ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "غَيْرُ أَولِي الضَّرَرِ"، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَهَا» يَعْنِي: الْكَاتِبَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا، فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَنَا «عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "، قَالَ: فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمْلِيهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ! قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ، فَظَنَنْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ".» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، «عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنْ بِي مِنَ الزَّمَانَةِ مَا قَدْ تَرَى، قَدْ ذَهَبَ بَصَرِي! قَالَ زَيْدٌ: فَثَقُلَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي حَتَّى خَشِيَتْ أَنْ يَرُضَّهَا، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ".» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ: أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} "، عَنْ بَدْرٍ، وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ: أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا يُحَدِّثُ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} " عَنْ بَدْرٍ، وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ، لَمَّا نَزَلَ غَزْوُ بَدْرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ قَيْسٍ الْأَسَدِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَعْمَيَانِ، فَهَلْ لَنَا رُخْصَةٌ؟ فنَزَلَتْ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} ".» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ "، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْجِهَادِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ لَا أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ، فَهَلْ لِي مِنْ رُخْصَةٍ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ قَعَدْتُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أُمِرْتُ فِي شَأْنِكَ بِشَيْءٍ، وَمَا أَدْرِي هَلْ يَكُونُ لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ مِنْ رُخْصَةٍ! فَقَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ بَصَرِي! فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}" إِلَى قَوْلِهِ: "عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً".» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، «عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: نَزَلَتْ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "، فَقَالَ رَجُلٌ أَعْمَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَنَا أُحِبُّ الْجِهَادَ وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُجَاهِدَ! فنَزَلَتْ: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ".» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْجِهَادِ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} "، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ضَرِيرٌ كَمَا تَرَى! فنَزَلَتْ: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ".» حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} "، عَذَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْعُذْرِ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ"، كَانَ مِنْهُمُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ "وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، «عَنِ السُّدِّيِّ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} " إِلَى قَوْلِهِ: "وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى"، لَمَّا ذَكَرَ فَضْلَ الْجِهَادِ، قَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَعْمَى وَلَا أُطِيقُ الْجِهَادَ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ".» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّفَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، «عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ لِي زَيْدًا، وَقُلْ لَهُ يَأْتِي أَوْ: يَجِيءُ بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ أَوِ: اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ-الشَّكُّ مِنْ زُهَيْرٍ- اكْتُبْ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "، فَقَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بِعَيْنِي ضَرَرًا! فَنَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يَبْرَحَ: " {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ".» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءَ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، «عَنِ الْبَرَاءِ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ لِي زَيْدًا، وَلْيَجِئْنِي مَعَهُ بِكَتِفٍ وَدَوَاةٍ أَوْ: لَوْحٍ وَدَوَاة». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ، «عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ"، قَالَ عَمْرُو ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يَا رَبِّ، ابْتَلَيْتَنِي فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: فنَزَلَتْ: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ".» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ" نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} "، قَالَ: أَهْلُ الضَّرَرِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} " فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ أُولِي الضَّرَرِ، دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي: فَضِيلَةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ بِفَضْلِ جِهَادِهِ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي: " {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} "، قَالَ: عَلَى أَهْلِ الضَّرَرِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} " وَعَدَ اللَّهُ الْكُلَّ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْقَاعِدِينَ مِنْ أَهْلِ الضَّرَرِ "الحُسْنَى"، وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: بِـ "الْحُسْنَى"، الْجَنَّةَ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: "وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى"، وَهِيَ الْجَنَّةُ، وَاللَّهُ يُؤْتِي كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: "الْحُسْنَى"، الْجَنَّةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} "، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ، أَجْرًا عَظِيمًا، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: " {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً} "، قَالَ: عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "دَرَجَاتٍ مِنْهُ"، فَضَائِلَ مِنْهُ وَمَنَازِلَ مِنْ مَنَازِلَ الْكَرَامَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى "الدَّرَجَاتِ"فِي قَوْلِهِ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "دَرَجَاتٍ مِنْهُ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} "، كَانَ يُقَالُ: الْإِسْلَامُ دَرَجَةٌ، وَالْهِجْرَةُ فِي الْإِسْلَامِ دَرَجَةٌ، وَالْجِهَادُ فِي الْهِجْرَةِ دَرَجَةٌ، وَالْقَتْلُ فِي الْجِهَادِ دَرَجَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ زَيْدٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: " {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ} "، "الدَّرَجَاتُ" هِيَ السَّبْعُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي"سُورَةِ بَرَاءَةٌ": {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 1121]. قَالَ: هَذِهِ السَّبْعُ الدَّرَجَاتِ. قَالَ: وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ، فَكَانَتْ دَرَجَةُ الْجِهَادِ مُجْمَلَةً، فَكَانَ الَّذِي جَاهَدَ بِمَالِهِ لَهُ اسْمٌ فِي هَذِهِ، فَلَمَّا جَاءَتْ هَذِهِ الدَّرَجَاتُ بِالتَّفْصِيلِ أَخْرَجَ مِنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا إِلَّا النَّفَقَةَ، فَقَرَأَ: {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ}، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا لِصَاحِبِ النَّفَقَةِ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً}، قَالَ: وَهَذِهِ نَفَقَةُ الْقَاعِدِ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ. عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ} "، إِلَى قَوْلِهِ: "دَرَجَاتٍ"، قَالَ: الدَّرَجَاتُ سَبْعُونَ دَرَجَةً، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ حُضْرُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ سَبْعِينَ سَنَةً. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: "دَرَجَاتٍ مِنْهُ"، أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ. لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: "دَرَجَاتٍ مِنْهُ": تَرْجَمَةٌ وَبَيَانٌ عَنْ قَوْلِهِ: "أَجْرًا عَظِيمًا"، وَمَعْلُومٌ أَنَّ "الأَجْرَ"، إِنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ وَالْجَزَاءُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ "الدَّرَجَاتُ" وَ "المَغْفِرَةُ" وَ "الرَّحْمَةُ" تَرْجَمَةً عَنْهُ، كَانَ مَعْلُومًا أَنْ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "دَرَجَاتٍ مِنْهُ"، إِلَى الْأَعْمَالِ وَزِيَادَتِهَا عَلَى أَعْمَالِ الْقَاعِدِينَ عَنِ الْجِهَادِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الصَّحِيحُ مِنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، فَبَيِّنٌ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ، أَجْرًا عَظِيمًا، وَثَوَابًا جَزِيلًا وَهُوَ دَرَجَاتٌ أَعْطَاهُمُوهَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ، رَفَعَهُمْ بِهَا عَلَى الْقَاعِدِينَ بِمَا أَبْلَوْا فِي ذَاتِ اللَّهِ. "وَمَغْفِرَةً" يَقُولُ: وَصَفَحَ لَهُمْ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، فَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ عُقُوبَتِهِمْ عَلَيْهَا "وَرَحْمَةً"، يَقُولُ: وَرَأْفَةً بِهِمْ"وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"، يَقُولُ: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ غَفُورًا لِذُنُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، يَصْفَحُ لَهُمْ عَنِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا "رَحِيمًا" بِهِمْ، يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ بِنِعَمِهِ، مَعَ خِلَافِهِمْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَرُكُوبِهِمْ مَعَاصِيَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} " إِنَّ الَّذِينَ تَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمُ الْمَلَائِكَةُ "ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ"، يَعْنِي: مُكْسِبِي أَنْفُسِهِمْ غَضَبَ اللَّهِ وَسُخْطَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الظُّلْمِ" فِيمَا مَضَى قَبْلُ. "قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ"، يَقُولُ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَهُمْ: "فِيمَ كُنْتُمْ"، فِي أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ مِنْ دِينِكُمْ"قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ"، يَعْنِي: قَالَ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ: "كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ"، يَسْتَضْعِفُنَا أَهْلُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ فِي أَرْضِنَا وَبِلَادِنَا بِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، فَيَمْنَعُونَا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعْذِرَةٌ ضَعِيفَةٌ وَحُجَّةٌ وَاهِيَةٌ"قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا"، يَقُولُ: فَتَخْرُجُوا مِنْ أَرْضِكُمْ وَدُورِكُمْ، وَتُفَارِقُوا مَنْ يَمْنَعُكُمْ بِهَا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي يَمْنَعُكُمْ أَهْلُهَا مِنْ سُلْطَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، فَتُوَحِّدُوا اللَّهَ فِيهَا وَتَعْبُدُوهُ، وَتَتَّبِعُوا نَبِيَّهُ؟ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ"، أَيْ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكُمْ صِفَتَهُمُ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ"مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ"، يَقُولُ: مَصِيرُهُمْ فِي الْآخِرَةِ جَهَنَّمُ، وَهِيَ مَسْكَنُهُمْ "وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، يَعْنِي: وَسَاءَتْ جَهَنَّمُ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ صَارُوا إِلَيْهَا "مَصِيرًا" وَمَسْكَنًا وَمَأْوًى. ثُمَّ اسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ اسْتَضْعَفَهُمُ الْمُشْرِكُونَ "مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ"، وَهُمُ الْعَجَزَةُ عَنِ الْهِجْرَةِ بِالْعُسْرَةِ، وَقِلَّةِ الْحِيلَةِ، وَسُوءِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالطَّرِيقِ مِنْ أَرْضِهِمْ أَرْضِ الشِّرْكِ إِلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ، مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ: أَنْ تَكُونَ جَهَنَّمُ مَأْوَاهُمْ، لِلْعُذْرِ الَّذِي هُمْ فِيهِ، عَلَى مَا بَيَّنَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَنَصْبُ "المُسْتَضْعَفِينَ" عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ "الهَاءِ" وَ "المِيمِ" اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: "فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ". يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} "، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، يَقُولُ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، لِلْعُذْرِ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَهُمْ مُؤْمِنُونَ، فَيَفْضُلَ عَلَيْهِمْ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ فِي تَرْكِهِمُ الْهِجْرَةَ، إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهَا اخْتِيَارًا وَلَا إِيثَارًا مِنْهُمْ لِدَارِ الْكُفْرِ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ لِلْعَجْزِ الَّذِي هُمْ فِيهِ عَنِ النَّقْلَةِ عَنْهَا "وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا" يَقُولُ: وَلَمْ يَزَلِ اللَّه"عَفُوًّا" يَعْنِي: ذَا صَفْحٍ بِفَضْلِهِ عَنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ، بِتَرْكِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا"غَفُورًا"، سَاتِرًا عَلَيْهِمْ ذُنُوبَهُمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا. وَذَكَرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَالَّتِي بَعْدَهُمَا، نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْهِجْرَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَاجَرَ، وَعُرِضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْفِتْنَةِ فَافْتُتِنَ، وَشَهِدَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ حَرْبَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَبَى اللَّهُ قَبُولَ مَعْذِرَتِهِمُ الَّتِي اعْتَذَرُوا بِهَا، الَّتِي بَيَّنَهَا فِي قَوْلِهِ خَبَرًا عَنْهُمْ: " {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} ". ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِصِحَّةٍ مَا ذَكَرْنَا: مِنْ نُزُولِ الْآيَةِ فِي الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ. حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِهَا هَلَكَ، قَالَ اللَّهُ: " {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} " إِلَى قَوْلِهِ: "عَفُوًّا غَفُورًا"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا مِنْهُمْ: وَأُمِّي مِنْهُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ: وَكَانَ الْعَبَّاسُ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا، وَكَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: "كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ، وَأُكْرِهُوا"! فَاسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، فنَزَلَتْ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} " الْآيَة، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لَا عُذْرَ لَهُمْ. قَالَ: فَخَرَجُوا فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَعْطَوْهُمُ الْفِتْنَةَ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 10]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَكَتَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ، فَحَزِنُوا وَأَيِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، ثُمَّ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، [سُورَةُ النَّحْلِ: 110]، فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا"، فَخَرَجُوا فَأَدْرَكَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى نَجَا مَنْ نَجَا، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ أَوِ: ابْنُ لَهِيعَةَ، الشَّكُّ مِنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ: أَنَّهُ سَمِعَ مَوْلًى لِابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَاسًا مُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكْثِرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتِي السَّهْمُ يُرْمَى بِهِ، فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} " حَتَّى بَلَغَ"فَتُهَاجِرُوا فِيهَا". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ إِلَى الْيَمَنِ، فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "، هُمْ قَوْمٌ تَخَلَّفُوا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَكُوا أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ وَدُبُرَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلُهُ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} "، إِلَى قَوْلِهِ: "وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، قَالَ: نَزَلَتْ فِي قَيْسِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَالْحَارِثِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَقَيْسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَبِي الْعَاصِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَعَلِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ. قَالَ: لَمَّا خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ لِمَنْعِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَعِيرِ قُرَيْشٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَنْ يَطْلُبُوا مَا نِيلَ مِنْهُمْ يَوْمَ نَخْلَةَ، خَرَجُوا مَعَهُمْ شَبَابَ كَارِهِينَ، كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا وَاجْتَمَعُوا بِبَدْرٍ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ، فَقُتِلُوا بِبَدْرٍ كُفَّارًا، وَرَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي هَؤُلَاءِ النَّفَرِ إِلَى قَوْلِهِ: " {وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} "، قَالَ: يَعْنِي الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالْعَجُوزَ وَالْجَوَارِيَ الصِّغَارَ وَالْغِلْمَانَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، «عَنِ السُّدِّيِّ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} " إِلَى قَوْلِهِ: "وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، قَالَ: لَمَّا أُسِرَ الْعَبَّاسُ وَعَقِيلٌ وَنَوْفَلٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَيْ أَخِيكَ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ نُصَلِّ قِبْلَتَكَ وَنَشْهَدْ شَهَادَتَكَ؟ قَالَ: يَا عَبَّاسُ، إِنَّكُمْ خَاصَمْتُمْ فَخُصِمْتُمْ! ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: " {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} "»، فَيَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ، فَهُوَ كَافِرٌ حَتَّى يُهَاجِرَ، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا، حِيلَةً فِي الْمَالِ، وَ "السَّبِيلُ" الطَّرِيقُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَنَا مِنْهُمْ، مِنَ الْوِلْدَانِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: كَانَ نَاسٌ بِمَكَّةَ قَدْ شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى بَدْرٍ أَخْرَجُوهُمْ مَعَهُمْ، فَقُتِلُوا، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا"}، فَكَتَبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ. قَالَ: فَخَرَجَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ طَلَبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَدْرَكُوهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَعْطَى الْفِتْنَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 10]، فَكَتَبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ أَعْطَوُا الْفِتْنَةَ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا} إِلَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 110] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} "، قَالَ: هُمْ خَمْسَةُ فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ: عَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ، وَأَبُو قَيْسِ بْنِ الْفَاكِهِ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَنَسِيَتُ الْخَامِسَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "الْآيَةَ، حُدِّثْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي أُنَاسٍ تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَخَرَجُوا مَعَ عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ، فَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَاعْتَذَرُوا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: " {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} "، أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَذَرَهُمُ اللَّهُ فَاسْتَثْنَاهُمْ، فَقَالَ: " {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}" قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} " الْآيَةَ، قَالَ: هُمْ أُنَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَخْرُجُوا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَخَرَجُوا مَعَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ إِلَى بَدْرٍ، فَأُصِيبُوا يَوْمئِذٍ فِيمَنْ أُصِيبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} " فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: " {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} "، فَقَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَهَرَ، وَنَبَعَ الْإِيمَانُ، نَبَعَ النِّفَاقُ مَعَهُ. فَأَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْلَا أَنَّا نَخَافُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يُعَذِّبُونَنَا، وَيَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ، لَأَسْلَمْنَا، وَلَكُنَّا نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لَهُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَامَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: لَا يَتَخَلَّفُ عَنَّا أَحَدٌ إِلَّا هَدَمْنَا دَارَهُ وَاسْتَبَحْنَا مَالَهُ! فَخَرَجَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ الْقَوْلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، فَقُتِلَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَأُسِرَتْ طَائِفَةٌ. قَالَ: فَأَمَّا الَّذِينَ قُتِلُوا، فَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "، الْآيَةَ كُلَّهَا" {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} "، وَتَتْرُكُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَضْعِفُونَكُمْ" {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ". قَالَ: ثُمَّ عَذَرَ اللَّهُ أَهْلَ الصِّدْقِ فَقَالَ: " {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} "، يَتَوَجَّهُونَ لَهُ، لَوْ خَرَجُوا لَهَلَكُوا"فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ"، إِقَامَتَهُمْ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ الَّذِينَ أُسِرُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّا كُنَّا نَأْتِيكَ فَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ خَرَجْنَا مَعَهُمْ خَوْفًا! فَقَالَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}، صَنِيعَكُمُ الَّذِي صَنَعْتُمْ بِخُرُوجِكُمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} خَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 70، ]. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ: " {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} ". حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} "، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} "، قَالَ: مَنْ قُتِلَ مِنْ ضُعَفَاءِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- أَوْ: إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ- «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي دُبُرِ صَلَاةِ الظُّهْرِ: "اللَّهُمَّ خَلِّصِ الْوَلِيدَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَضَعَفَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا".» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} "، قَالَ: مُؤْمِنُونَ مُسْتَضْعَفُونَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ فِيهِمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ بِمَنْزِلَةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ ضُعَفَاءَ مَعَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: " {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} "، الْآيَةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة"، فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: " {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} "، قَالَ: نُهُوضًا إِلَى الْمَدِينَةِ "وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا"، طَرِيقًا إِلَى الْمَدِينَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} "، طَرِيقًا إِلَى الْمَدِينَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: "الْحِيلَةُ"، الْمَالُ وَ "السَّبِيلُ"، الطَّرِيقُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ"، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ"تَوَفَّاهُمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، بِمَعْنَى الْمُضِيِّ، لِأَنَّ"فِعْلَ" مَنْصُوبَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، يُرَادُ بِهِ: إِنَّ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ، فَتَكُونُ إِحْدَى "التَّاءَيْنِ" مِنْ"تَوَفَّاهُمْ" مَحْذُوفَةً وَهِيَ مُرَادَةٌ فِي الْكَلِمَةِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، إِذَا اجْتَمَعَتْ تَاءَانِ فِي أَوَّلِ الْكَلِمَةِ، رُبَّمَا حَذَفَتْ إِحْدَاهُمَا وَأَثْبَتَتِ الْأُخْرَى، وَرُبَّمَا أَثْبَتَتْهُمَا جَمِيعًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَمَنْ يُفَارِقْ أَرْضَ الشِّرْكِ وَأَهْلَهَا هَرَبًا بِدِينِهِ مِنْهَا وَمِنْهُمْ، إِلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهَا الْمُؤْمِنِينَ "فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، يَعْنِي: فِي مِنْهَاجِ دِينِ اللَّهِ وَطَرِيقِهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ، وَذَلِكَ الدِّينِ الْقَيِّمِ "يَجِدُ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا"، يَقُولُ: يَجِدُ هَذَا الْمُهَاجِرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"مُرَاغَمًا كَثِيرًا"، وَهُوَ الْمُضْطَرِبُ فِي الْبِلَادِ وَالْمَذْهَبِ. يُقَالُ مِنْهُ: "رَاغَمَ فُلَانٌ قَوْمَهُ مُرَاغَمًا وَمُرَاغَمَةً"، مَصْدَرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي جَعْدَةَ: كَطَـوْدٍ يُـلَاذُ بِأَرْكَانِـهِ *** عَزِيـزِ الْمُـرَاغَمِ وَالْمَهْـرَبِ وَقَوْلُهُ: "وَسَعَةً"، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ السَّعَةَ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ بِمَكَّةَ، وَذَلِكَ مَنْعُهُمْ إِيَّاهُمْ-كَانَ- مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِمْ وَعِبَادَةِ رَبِّهِمْ عَلَانِيَةً. ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّنْ خَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ أَرْضِ الشِّرْكِ فَارًّا بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، إِنْأَدْرَكَتْهُ مَنِيَّتُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَرْضَ الْإِسْلَامِ وَدَارَ الْهِجْرَةِالْمُهَاجِر مِنْ أَرْض الشِّرْك فَقَالَ: مَنْ كَانَ كَذَلِكَ"فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ"، وَذَلِكَ ثَوَابُ عَمَلِهِ وَجَزَاءُ هِجْرَتِهِ وَفِرَاقِ وَطَنِهِ وَعَشِيرَتِهِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ دِينِهِ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ يَخْرُجْ مُهَاجِرًا مِنْ دَارِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ ثَوَابَ هِجْرَتِهِ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ دَارَ هِجْرَتِهِ بِاخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ إِيَّاهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ إِيَّاهَا عَلَى رَبِّهِ"وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"، يَقُولُ: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ"غَفُورًا" يَعْنِي: سَاتِرًا ذُنُوبَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ لَهُمْ عَنِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا"رَحِيمًا"، بِهِمْ رَفِيقًا. وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ بَعْضٍ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَخَرَجَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْآيَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} "، فَمَاتَ فِي طَرِيقِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْمَدِينَةَ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} "، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ يُقَالُ لَهُ ضَمْرَةُ بْنُ الْعِيصِ- أَوِ: الْعِيصُ بْنُ ضَمْرَةَ بْنِ زِنْبَاعٍ- قَالَ: فَلَمَّا أُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ كَانَ مَرِيضًا، فَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَفْرُشُوا لَهُ عَلَى سَرِيرِهِ وَيَحْمِلُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَأَتَاهُ الْمَوْتُ وَهُوَ بالتَّنعِيمِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} فِي ضَمْرَةَ بْنِ الْعِيصِ بْنِ الزِّنْبَاعِ أَوْ فُلَانِ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ الْعِيصِ بْنِ الزِّنْبَاعِ حِينَ بَلَغَ التَّنْعِيمَ مَاتَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ التَّيْمِيِّ، بِنَحْوِ حَدِيثِ يَعْقُوبَ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} "، الْآيَةَ، قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، وَرَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُقَالُ لَهُ: "ضِمْرَة" بِمَكَّةَ، قَالَ: "وَاللَّهِ إِنَّ لِي مِنَ الْمَالِ مَا يُبَلِّغُنِي الْمَدِينَةَ وَأَبْعَدَ مِنْهَا، وَإِنِّي لِأَهْتَدِي! أَخْرِجُونِي"، وَهُوَ مَرِيضٌ حِينَئِذٍ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْحَرَمَ قَبَضَهُ اللَّهُ فَمَاتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ} "، الْآيَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ وَهُوَ مَرِيضٌ: "وَاللَّهِ مَا لِي مِنْ عُذْرٍ، إِنِّي لَدَلِيلٌ بِالطَّرِيقِ، وَإِنِّي لِمُوسِرٌ، فَاحْمِلُونِي"، فَحَمَلُوهُ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ بِالطَّرِيقِ، فَنَزَلَ فِيهِ " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} " الْآيَتَيْنِ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، وَكَانَ مَرِيضًا: "أَخْرِجُونِي إِلَى الرَّوْحِ"، فَأَخْرَجُوهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْحَصْحَاصِ مَاتَ، فَنَزَلَ فِيهِ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} "، الْآيَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيِّ قَوْلُهُ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} "، قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} "، قَالَ: لَمَّا سَمِعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ قَدْ ضَرَبَتْ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، قَالَ لِأَهْلِهِ: "أَخْرِجُونِي"، وَقَدْ أَدْنَفَ لِلْمَوْتِ. قَالَ: فَاحْتَمَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عَقَبَةٍ قَدْ سَمَّاهَا، فَتُوُفِّيَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} "، الْآيَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ يَعْنِي: بِقَوْلِهِ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "إِلَى قَوْلِهِ: " {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}" ضَمْرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ الضَّمْرِيُّ، قَالَ لِأَهْلِهِ، وَكَانَ وَجِعًا: "أَرْحِلُوا رَاحِلَتِي، فَإِنَّ الْأَخْشَبَيْنِ قَدْ غَمَّانِي!" يَعْنِي: جَبَلَيْ مَكَّةَ "لَعَلِّي أَنْ أَخْرُجَ فَيُصِيبَنِي رَوْحٌ"! فَقَعَدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فَمَاتَ بِالطَّرِيقِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ". وَأَمَّا حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَيْكَ وَإِلَى رَسُولِكَ". حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} "، قَالَ جُنْدَبُ بْنُ ضَمْرَةَ الْجُنْدَعِيُّ. "اللَّهُمَّ أَبْلَغْتَ فِي الْمَعْذِرَةِ وَالْحُجَّةِ، وَلَا مَعْذِرَةَ لِي وَلَا حُجَّةَ"! قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَمَاتَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، فَلَا نَدْرِي أَعَلَى وِلَايَةٍ أَمْ لَا! فنَزَلَتْ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ". حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} " الْآيَةَ، سَمِعَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ كَانَ عَلَى دِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ، كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا وَصِبًا، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: "مَا أَنَا بِبَائِتٍ اللَّيْلَةَ بِمَكَّةَ !"، فَخُرِجَ بِهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ التَّنْعِيمَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَزَلَ فِيهِ"وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ" الْآيَةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} "، قَالَ: وَهَاجَرَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، فَسَخِرَ بِهِ قَوْمُهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ وَقَالُوا: لَا هُوَ بَلَغَ الَّذِي يُرِيدُ، وَلَا هُوَ أَقَامَ فِي أَهْلِهِ يَقُومُونَ عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ! قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ". حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "، فَكَانَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ" ضَمْرَةُ "، مِنْ بَنِي بَكْرٍ، وَكَانَ مَرِيضًا، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: "أَخْرِجُونِي مِنْ مَكَّةَ، فَإِنِّي أَجِدُ الْحَرَّ". فَقَالُوا: أَيْنَ نُخْرِجُكَ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} " إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} "، قَالَ: رَخَّصَ فِيهَا قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الضَّرَرِ، حَتَّى نَزَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ، فَقَالُوا: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فَضِيلَةَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ، وَرَخَّصَ لِأَهْلِ الضَّرَرِ! حَتَّى نَزَلَتْ: " {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "إِلَى قَوْلِهِ: "وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، قَالُوا: هَذِهِ مُوجِبَةٌ! حَتَّى نَزَلَتْ: " {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} "، فَقَالَ ضَمْرَةُ بْنُ الْعِيصِ الزُّرَقِيُّ، أَحَدُ بَنِي لَيْثٍ، وَكَانَ مُصَابَ الْبَصَرِ: "إِنِّي لَذُو حِيلَةٍ، لِي مَالٌ، وَلِي رَقِيقٌ، فَاحْمِلُونِي". فَخَرَجَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ عِنْدَ التَّنْعِيمِ، فَدُفِنَ عِنْدَ مَسْجِدِ التَّنْعِيمِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ}" الْآيَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ "المُرَاغَمِ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ التَّحَوُّلُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: "مُرَاغَمًا كَثِيرًا"، قَالَ: الْمُرَاغَمُ، التَّحَوُّلُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى الْأَرْضِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "مُرَاغَمًا كَثِيرًا"، يَقُولُ: مُتَحَوَّلًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: "يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا"، قَالَ: مُتَحَوَّلًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَوْ قَتَادَةَ: "مُرَاغَمًا كَثِيرًا"، قَالَ: مُتَحَوَّلًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا} "، قَالَ: مَنْدُوحَةً عَمَّا يَكْرَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "مُرَاغَمًا كَثِيرًا"، قَالَ: مُزَحْزِحًا عَمَّا يَكْرَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "مُرَاغَمًا كَثِيرًا"، قَالَ: مُتَزَحْزِحًا عَمَّا يَكْرَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مُبْتَغَى مَعِيشَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا} "، يَقُولُ: مُبْتَغًى لِلْمَعِيشَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: "الْمُرَاغَمُ"، الْمُهَاجَرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: "مُرَاغَمًا"، الْمُرَاغَمُ، الْمُهَاجَرُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَعْنَى: "السَّعَةِ "التِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ: "وَسَعَةً". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ: السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} "، قَالَ: السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: "مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً"، قَالَ: السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "وَسَعَةً"، يَقُولُ: سَعَةٌ فِي الرِّزْقِ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} "، إِي وَاللَّهَ، مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الْعَيْلَةِ إِلَى الْغِنَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ هَاجَرَ فِي سَبِيلِهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُضْطَرَبًا وَمُتَّسَعًا. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي "السَّعَةِ"، السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ، وَالْغِنَى مِنَ الْفَقْرِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ السَّعَةُ مِنْ ضِيقِ الْهَمِّ وَالْكَرْبِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي "السَّعَةِ"، الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الرَّوْحِ وَالْفَرَجِ مِنْ مَكْرُوهِ مَا كَرِهَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي سُلْطَانِهِمْ. وَلَمْ يَضَعِ اللَّهُ دِلَالَةً عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: "وَسَعَةً"، بَعْضَ مَعَانِي "السَّعَةِ" الَّتِي وَصَفْنَا. فَكُلُّ مَعَانِي "السَّعَةِ" الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الرَّوْحِ وَالْفَرَجِ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ، وَغَمِّ جِوَارِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَضِيقِ الصَّدْرِ بِتَعَذُّرِ إِظْهَارِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَإِخْلَاصِ تَوْحِيدِهِ وَفِرَاقِ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الْآيَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} " أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْغَازِي يَخْرُجُ لِلْغَزْوِ، فَيُدْرِكُهُ الْمَوْتُ بَعْدَ مَا يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَاصِلًا فَيَمُوتُ، أَنَّ لَهُ سَهْمَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: "مَنْ خَرَجَ فَاصِلًا وَجَبَ سَهْمُهُ"، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} وَإِذَا سِرْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي الْأَرْضِ، "فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ"، يَقُولُ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَجٌ وَلَا إِثْمٌ "أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ"، يَعْنِي: أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ عَدَدِهَا، فَتُصَلُّوا مَا كَانَ لَكُمْ عَدَدُهُ مِنْهَا فِي الْحَضَرِ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ أَرْبَعًا، اثْنَتَيْنِ، فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى أَقَلِّ عَدَدِهَا فِي حَالِ ضَرْبِكُمْ فِي الْأَرْضِ أَشَارَ إِلَى وَاحِدَةٍ، فِي قَوْلِ آخَرِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ حُدُودِ الصَّلَاةِ. " {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} "، يَعْنِي: إِنْ خَشِيتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَلَاتِكُمْ. وَفِتْنَتُهُمْ إِيَّاهُمْ فِيهَا: حَمْلُهُمْ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِيهَا سَاجِدُونَ حَتَّى يَقْتُلُوهُمْ أَوْ يَأْسِرُوهُمْ، فَيَمْنَعُوهُمْ مِنْ إِقَامَتِهَا وَأَدَائِهَا، وَيَحُولُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عِبَادَةِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لَهُ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا عَلَيْهِ أَهْلُ الْكُفْرِ لَهُمْ فَقَالَ: " {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} "، يَعْنِي: الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ "كَانُوا لَكُمْ عَدُوَّا مُبِينًا"، يَقُولُ: عَدُوًّا قَدْ أَبَانُوا لَكُمْ عَدَاوَتَهُمْ بِمُنَاصَبَتِهِمْ لَكُمُ الْحَرْبَ عَلَى إِيمَانِكُمْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَتَرْكِكُمْ عِبَادَةَ مَا يَعْبُدُونَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَمُخَالَفَتِكُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى: "الْقَصْرِ "الذِي وَضَعَ اللَّهُ الْجُنَاحَ فِيهِ عَنْ فَاعِلِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي السَّفَرِ، مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ وَاجِبًا إِتْمَامُهَا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَذِنَ فِي قَصْرِهَا فِي السَّفَرِ إِلَى اثْنَتَيْنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ قَالَ: «قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} "، وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ! فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، حَتَّى سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَه». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ يُحَدِّثُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: «قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَعْجَبُ مِنْ قَصْرِ النَّاسِ الصَّلَاةَ وَقَدْ أَمِنُوا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} "! فَقَالَ عُمَرُ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَه». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، «عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: سَافَرَتُ إِلَى مَكَّةَ، فَكُنْتُ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَقِيَنِي قُرَّاءٌ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، فَقَالُوا: كَيْفَ تُصَلِّي؟ قُلْتُ رَكْعَتَيْنِ. قَالُوا: أَسُنَّةٌ أَوْ قُرْآنٌ؟ قُلْتُ: كُلٌّ، سُنَّةٌ وَقُرْآنٌ، [فَقَدْ] صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ. قَالُوا: إِنَّهُ كَانَ فِي حَرْبٍ! قُلْتُ: قَالَ اللَّهُ: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 27]، وَقَالَ: " {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} "، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: "فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ".» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلَ قَوْمٌ مِنَ التُّجَّارِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} "، ثُمَّ انْقَطَعَ الْوَحْيُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ، غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَمْكَنَكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ظُهُورِهِمْ، هَلَّا شَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ لَهُمْ أُخْرَى مِثْلَهَا فِي إِثْرِهَا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: " {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} "»، فَنَزَلَتْصَلَاةُ الْخَوْفِكَيْفِيَّتهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ لِلْآيَةِ حَسَنٌ، لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ"إِذَا"، وَ"إِذَا" تُؤْذِنُ بِانْقِطَاعِ مَا بَعْدَهَا عَنْ مَعْنَى مَا قَبْلَهَا. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ"إِذَا"، كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ- عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي رَوَاهُ سَيْفٌ عَنْ أَبِي رَوْقٍ: إِنْ خِفْتُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَلَاتِكُمْ، وَكُنْتَ فِيهِمْ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ، "فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ" الْآيَةَ. وَبَعْدُ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وَلَا يَقْرَأُ: "إِنْ خِفْتُمْ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ شَرُودٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ: (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ أَنْ يَفْتِنَكُمْ)، قَالَ بَكْرٌ: وَهِيَ فِي "الإِمَامِ" مُصْحَفُ عُثْمَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُنْبِئُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} "، مُوَاصِلٌ قَوْلَهُ: " {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} "، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: "وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ"، قِصَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ قِصَّةِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ تَأْوِيلَ قِرَاءَةِ أُبَيٍّ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَحُذِفَتْ"لَا" لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}، [سُورَةُ النِّسَاءِ: 176]، بِمَعْنَى: أَنْ لَا تَضِلُّوا. فَفِيمَا وَصَفْنَا دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى فَسَادِ التَّأْوِيلِ الَّذِي رَوَاهُ سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَالْقَصْرُ فِي السَّفَرِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ لِلْمُسَافِرِ فِي حَالِ خَوْفِهِ مِنْ عَدُوٍّ يَخْشَى أَنْ يَفْتِنَهُ فِي صِلَاتِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ عِمْرَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَة تقُولُ فِي السَّفَرِ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ. فَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَرْبٍ، وَكَانَ يَخَافُ، هَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ؟. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ: أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَصْرَ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَلَا نَجِدُ قَصْرَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّا وَجَدْنَا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ عَمَلًا عَمِلْنَا بِهِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَة كانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَيُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: عَائِشَة وسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ قَصْرَ صَلَاةِ الْخَوْفِ، فِي غَيْرِ حَالِ الْمُسَايَفَةِ. قَالُوا: وَفِيهَا نَزَلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، «عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} "، قَالَ: يَوْمَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بعُسْفَانَ، وَالْمُشْرِكُونَ بِضَجْنَانَ، فَتَوَاقَفُوا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ: أَرْبَعًا، شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ رُكُوعُهُمْ وَسُجُودُهُمْ وَقِيَامُهُمْ مَعًا جَمِيعًا، فَهَمَّ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى أَمْتِعَتِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: " {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} "، فَصَلَّى الْعَصْرَ، فَصَفَ أَصْحَابَهُ صَفَّيْنِ، ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ الْأَوَّلُونَ سَجْدَةً، وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ، ثُمَّ سَجَدَ الْآخَرُونَ حِينَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، فَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الْآخَرُ وَاسْتَأْخَرَ الْأَوَّلُ، فَتَعَاقَبُوا السُّجُودَ كَمَا فَعَلُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَقَصَرَ الْعَصْرَ إِلَى رَكْعَتَيْن». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، «عَنْ مُجَاهِدٍ: " {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} "، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِعُسْفَانَ وَالْمُشْرِكُونَ بِضَجْنَانَ، فَتَوَاقَفُوا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، رُكُوعُهُمْ وَسُجُودُهُمْ وَقِيَامُهُمْ جَمِيعًا، فَهَمَّ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى أَمْتِعَتِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} "، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَصَفَّ أَصْحَابَهُ صَفَّيْنِ، ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ الْأَوَّلُونَ لِسُجُودِهِ، وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ لَمْ يَسْجُدُوا، حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، فَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الْآخَرُ وَاسْتَأْخَرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، فَتَعَاقَبُوا السُّجُودَ كَمَا دَخَلُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَقَصُرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ إِلَى رَكْعَتَيْن». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ: فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ، لَوْ أَرَدْنَا لَأَصَبْنَا غِرَّةً، لَأَصَبْنَا غَفْلَةً. فَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَأَخَذَ النَّاسُ السِّلَاحَ وَصَفُّوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَالْمُشْرِكُونَ مُسْتَقْبَلَهُمْ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرُوا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَرَفَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ. فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودِهِمْ سَجَدَ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ نَكَصَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ، فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَرَفَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ. فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودِهِمْ سَجَدَ هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ، ثُمَّ اسْتَوَوْا مَعَهُ، فَقَعَدُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ، وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ ». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ وَعَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، «عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِقْصَارِ الصَّلَاةِ: أَيَّ يَوْمٍ أُنْزِلَ؟ أَوْ: أَيَّ يَوْمٍ هُوَ؟ فَقَالَ جَابِرٌ: انْطَلَقْنَا نَتَلَقَّى عِيرَ قُرَيْشٍ آتِيَةً مِنْ الشَّأْمِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِنَخْلٍ، جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ! قَالَ: نَعِمَ. قَالَ: هَلْ تَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا! قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ! قَالَ: فَسَلَّ السَّيْفَ، ثُمَّ هَدَّدَهُ وَأَوْعَدَهُ، ثُمَّ نَادَى بِالرَّحِيلِ وَأَخْذِ السِّلَاحِ، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْقَوْمِ وَطَائِفَةٍ أُخْرَى يَحْرُسُونَهُمْ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الَّذِينَ يَلُونَهُ عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَقَامُوا فِي مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَالْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، ثُمَّ سَلَّمَ. فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَيَوْمئِذٍ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِقْصَارِ الصَّلَاةِ وَأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَخْذِ السِّلَاح». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهَا قَصْرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي حَالٍ غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، إِلَّا أَنَّهُ عَنَى بِهِالْقَصْرَ فِي صَلَاةِ السَّفَرِلَا فِي صَلَاةِ الْإِقَامَةِ. قَالُوا: وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ فِي غَيْرِ حَالِ الْخَوْفِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ. قَالُوا: فَقَصُرَتْ فِي السَّفَرِ فِي حَالِ الْأَمْنِ غَيْرِ الْخَوْفِ عَنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ، فَجُعِلَتْ عَلَى النِّصْفِ، وَهِيَ تَمَامٌ فِي السَّفَرِ. ثُمَّ قَصُرَتْ فِي حَالِ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ عَنْ صَلَاة الْأَمْنِ فِيهِ، فَجُعِلَتْ عَلَى النِّصْفِ، رَكْعَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا} "، إِلَى قَوْلِهِ: "عَدُوًّا مُبِينًا"، إِنَّ الصَّلَاةَ إِذَا صُلِّيَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ فَهُوَ تَمَامٌ. وَالتَّقْصِيرُ لَا يَحِلُّ، إِلَّا أَنْ تَخَافَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنِ الصَّلَاةِ. وَالتَّقْصِيرُ رَكْعَةٌ: يَقُومُ الْإِمَامُ وَيَقُومُ جُنْدُهُ جُنْدَيْنِ، طَائِفَةٌ خَلْفَهُ، وَطَائِفَةٌ يُوَازُونَ الْعَدُوَّ، فَيُصَلِّي بِمَنْ مَعَهُ رَكْعَةً، وَيَمْشُونَ إِلَيْهِمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ حَتَّى يَقُومُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ، وَتِلْكَ الْمِشْيَةُ الْقَهْقَرَى. ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يَجْلِسُ الْإِمَامُ فَيُسَلِّمُ، فَيَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى صَفِّهِمْ، وَيَقُومُ الْآخَرُونَ فَيُضِيفُونَ إِلَى رَكْعَتِهِمْ رَكْعَةً. وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: لَا بَلْ هِيَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ، لَا يُصَلِّي أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى رَكْعَتِهِ شَيْئًا، تُجْزِئُهُ رَكْعَةُ الْإِمَامِ. فَيَكُونُ لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ، وَلَهُمْ رَكْعَةٌ. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: " {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} " إِلَى قَوْلِهِ: "وَخُذُوا حِذْرَكُمْ". حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْصَلَاةِ السَّفَرِكَيْفِيَّتهَا فَقَالَ: رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، إِنَّمَا الْقَصْرُ صَلَاةُ الْمَخَافَةِ. فَقُلْتُ: وَمَا صَلَاةُ الْمَخَافَةِ؟ قَالَ: يُصَلِّي الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ يَجِيءُ هَؤُلَاءِ مَكَانَ هَؤُلَاءِ، وَيَجِيءُ هَؤُلَاءِ مَكَانَ هَؤُلَاءِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً، فَيَكُونُ لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ، وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَيْفَ تَكُونُ قَصْرًا وَهُمْ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ؟ إِنَّمَا هِيَ رَكْعَةٌ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ: أَنَّ زِيَادَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَهُ عَنْ كَعْبٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُطِعَتْ يَدُهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ: أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لِكُلِّ طَائِفَةٍ، رَكْعَةٌ وَسَجْدَتَانِ. وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنَ الْآثَارِ بِمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ الْيَرْبُوعِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَوْفِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا. فَأَقَامَنَا خَلْفَهُ صَفًّا، وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْهُ فَحَدَّثَنِي، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ الْيَرْبُوعِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِذِي قَرَدٍ، فَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، صَفًّا خَلْفَهُ، وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَكَانِ هَؤُلَاءِ، وَجَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً. وَلَمْ يَقْضُوا». حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ صُخَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ الطَّائِيِّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مَاهَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ الطَّائِيِّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَقَامَ صَفٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَصَفٌّ خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ حَتَّى قَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ، وَجَاءَ أُولَئِكَ حَتَّى قَامُوا مَقَامَ هَؤُلَاءِ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، وَلَهُمْ رَكْعَة». حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نَافِعٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي مُوسَى: «أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ، لِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْن». حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْهَنَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ قَالَ: «حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بَيْنَ ضَجْنَانَ وعُسْفَانَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنْ لِهَؤُلَاءِ صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَبْكَارِهِمْ، وَهِيَ الْعَصْرُ، فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً. وَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَسِّمَ أَصْحَابَهُ شَطْرَيْنِ، فَيُصَلِّي بِبَعْضِهِمْ، وَتَقُومُ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَرَاءَهُمْ فَيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ الْأُخْرَى فَيُصَلُّوا مَعَهُ، وَيَأْخُذُ هَؤُلَاءِ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، فَتَكُونُ لَهُمْ رَكْعَةً رَكْعَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْن». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهِ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ، إِلَّا أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْقَصْرَ فِي شِدَّةِ الْحَرْبِ وَعِنْدَ الْمُسَايَفَةِ، فَأُبِيحَ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَةً إِيمَاءً بِرَأْسِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَ بِوَجْهِهِ. قَالُوا: فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ"، الْآيَةَ، قَصْرُ الصَّلَاةِ، إِنْ لَقِيتَ الْعَدُوَّ وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ: أَنْ تُكَبِّرَ اللَّهَ، وَتَخْفِضَ رَأْسَكَ إِيمَاءً، رَاكِبًا كُنْتَ أَوْ مَاشِيًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: "عَنَى بِالْقَصْرِ فِيهَا، الْقَصْرَ مِنْ حُدُودِهَا. وَذَلِكَ تَرْكُ إِتْمَامِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَإِبَاحَةُ أَدَائِهَا كَيْفَ أَمْكَنَ أَدَاؤُهَا، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِيهَا وَمُسْتَدْبِرَهَا، وَرَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَذَلِكَ فِي حَالِ السَّلَّةِ وَالْمُسَايَفَةِ وَالْتِحَامِ الْحَرْبِ وَتَزَاحُفِ الصُّفُوفِ، وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 239]، وَأَذِنَ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِيهَا رَاكِبًا، إِيمَاءً بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ تَأْوِيلِهِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِقَوْلِهِ: " {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} "، لِدَلَالَةِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} "، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. لِأَنَّإِقَامَتَهَاالصَّلَاة: إِتْمَامُ حُدُودِهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَائِرِ فُرُوضِهَا، دُونَ الزِّيَادَةِ فِي عَدَدِهَا الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فِي حَالِ الْخَوْفِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِإِتْمَامِ عَدَدِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْأَمْنِ بَعْدَ زَوَالِ الْخَوْفِ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَافِرُ فِي حَالِ قَصْرِهِ صَلَاتَهُ عَنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ، غَيْرَ مُقِيمٍ صَلَاتَهُ، لِنَقْصِ عَدَدِ صِلَاتِهِ مِنَ الْأَرْبَعِ اللَّازِمَةِ كَانَتْ لَهُ فِي حَالِ إِقَامَتِهِ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ. وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنْ قَالَهُ قَائِلٌ، مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ: مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ إِذَا أَتَى بِصَلَاتِهِ بِكَمَالِ حُدُودِهَا الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ فِيهَا، وَقَصْرِ عَدَدِهَا عَنْ أَرْبَعٍ إِلَى اثْنَتَيْنِ: "إِنَّهُ غَيْرُ مُقِيمٍ صِلَاتَهُ". وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ الَّذِي أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ صَلَاتَهُ خَوْفًا مِنْ عَدُوِّهِ أَنْ يَفْتِنَهُ، أَنْ يُقِيمَ صَلَاتَهُ إِذَا اطْمَأَنَّ وَزَالَ الْخَوْفُ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ إِقَامَةِ ذَلِكَ فِي حَالِ الطُّمَأْنِينَةِ، عَيْنُ الَّذِي كَانَ أُسْقِطَ عَنْهُ فِي حَالِ الْخَوْفِ. وَإِذْ كَانَ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ فِي حَالِ الطُّمَأْنِينَةِ: إِقَامَةُ صِلَاتِهِ، فَالَّذِي أُسْقِطَ عَنْهُ فِي غَيْرِ حَالِ الطُّمَأْنِينَةِ: تَرْكُ إِقَامَتِهَا. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ تَرْكَ إِقَامَتِهَا، إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ حُدُودِهَا، عَلَى مَا بَيَّنَّا.
|